امتهنوا الشجاعة من آبائكم وأجدادهم، استمدوا القوة من بطولات الأجيال السابقة، حاربوا من يحاربكم، سارعوا بوأد الفتن التى تريد النيل من الوطن الآمن، اتعظوا من حرب السادس من أكتوبر، العاشر من رمضان، الحرب التى خاضها جيل الشباب الذي كانت أعماره تتراوح بين «الثامنة عشر، والعشرين»، جيل أبدع فى حب الوطن، والوطنية، وأظهر بسالة وقوة وشجاعة أفقدت العدو الإسرائيلى الغاشم بما يمتلك من أحدث الأسلحة، توازنه، وجعلته عاجزا عن استيعاب صدمته فى الجندى المصرى، جيل أدار البطولات وهو صائم مجاهد فى سبيل الله، مدافع عن الأرض والعرض، راجيا النصر، آملا فى الشهادة التى أعظم درجات الجهاد فى سبيل الله.
الشجاعة لن تكلفكم كثيرا، فتاريخنا وتاريخ أبطالنا ممتلئ بالبطولات التى لا تنتهى، وهو ما يجعل كل قوى العالم العسكرية والسياسية والاقتصادية تقف أمام المصريين « مطَأْطِئُة الرَّأْسِ»، لا تأمن مكر ودهاء المصريين الذين أعجزوا القوى البشرية عن فك شفرات الانتصارات التى لم تتكافأ فيها أسلحة المواجهات.
لا تزال نصائح والدى فى عقلى وقلبى، ولا تزال مكتسباتي منه حاضرة فى كل وقت وحين، ولا تزال تعاليمه لأن أكون مبدعا فيما يوكل إلى من مهام نصب عينى، ولعل الشجاعة، والإقدام، والصدق، والعزيمة، والمحبة، والإخلاص، والوطنية، والانتماء، أسس ومبادئ قويمة أنبتنا عليها والدي صاحب الفضيلة القارئ الراحل الشيخ محمد عبدالحليم أبوسالم، وأتذكر أهم نصائح والدى التى تعلمتها ألا أقحم نفسي فيما لا أفهم، وألا أتكبر على العلم، والتعلم.
ولعل انتصارات العاشر من رمضان، بما تحمله من بطولات واضحة، عكست وطنية جيل الانتصارات، الذى دحر بعزيمته وقوة إيمانه أحلام الجيش الذى ظن أنه لا يُقهر، وبطبيعة عملى الإعلامي أدركت جزءًا لا بأس به من بطولات جيل الانتصارات، من خلال اللقاءات التى جمعتني ببعض الأبطال.
ولا أزايد في حديثي أنني تعلمت كثيرا وأثريت ثقافتي عن الوطنية والقومية، عندما أسعدني الحظ الأوفر لي أن أجلس أمام بعض أبطال حرب العزة والكرامة، خلال تصوير حلقات خاصة ببرنامج «دم البطل»، للإعلامي المتميز الزميل محمود أبوسالم، والذي رصد خلال حواراته مع أبطال الانتصارات مواقف على الجبهة تبين أقصى ما وصل إليه هؤلاء الأبطال من الوطنية والفداء والتضحية، غير عابئين بحجم المخاطر التي تواجههم أو تنتظرهم لكنهم كانوا يسعون لتحقيق النصر، واسترداد الأرض المغتصبة وكلهم إيمان وثقة غالية بالمولى عز وجل، أنه يؤازرهم في حربهم ضد العدو الصهيوني الغاشم، وكانت صيحة «الله أكبر .. الله أكبر»، مفتاح النصر الحقيقي للجيش المصري.
الطيار المجنون أربك حسابات طيران العدو
فلا أنسى لقائي بالبطل اللواء طيار أحمد المنصورى، الملقب بالطيار المجنون، والذي جلس يروي بطولاته في ساعات الحرب الأولى، حيث كان صاحب بطولات لا تنسى خلال الضربة الجوية التي كانت عنوان النصر، كما روى عن مناورة الموت الأخيرة في حياة أي طيار، وقت المعركة، والتي قال عنها إنها لا تدرس في الكلية الجوية، ولكن يلجأ إليها الطيار لتنفيذ مهمة مستحيلة وقد يدفع حياته ثمنا فيها، وأشار أنه نفذ مهمته لينجو بطائرته بعد تحقيق الأهداف المطلوبة منه، مما اضطر العدو الصهيوني لإطلاق لفظ «الطيار المجنون»، عليه بسبب ما فعله في مناورة الموت التي خرج منها حيًا، وأمام هذه البطولات علينا أن نتعلم معنى التضحية، والإصرار على تحقيق الحلم، والانتصار وإن كان الأمر مستحيلا، لكن التسلح بالإيمان، والثقة في الله عز وجل، تحقق المحال.

إبراهيم عبدالعال أسقط دبابات العدو
أما عمنا البطل الراحل إبراهيم عبدالعال، صائد الدبابات في حرب أكتوبر المجيدة، فكان لي شرف اللقاء معه داخل بيته، وأنصت إليه لأعلم حجم تضحيات هذا الجيل، وحجم بطولاته أن يستخدم سلاحا بكفاءة عالية تزيد على استخدام صانعه، ونجح عم إبراهيم عبدالعال، ببطولاته في أرض المعركة، في إرهاب العدو الغاشم، وتحطيم أسطورة العدو، فى معارك كثيرة.

محروس عطا الله .. صيحة الله أكبر تزلزل أرض المعركة
أما البطل المقاتل محروس رزق عطاالله، صائد الدبابات الشجاع فى سلاح المظلات، فعندما تجلس أمامه تجد نفسك أمام شخصية وطنية من الطراز الأول، يعشق كل ذرة تراب على أرض مصر، وتستمع منه لبطولات الشعب المصري كاملا، سواء من كان على الجبهة أو كان في الشوارع والميادين، فالكل كان في حالة تعبئة ضد العدو الغاشم، وتتعلم مما يرويه كيف تميز وأخلص الجنود، في حب الوطن، والإيمان بالقضية التي يدافعون عنها.

إبراهيم سعودي .. بطل الصاعقة الذي اقتص لأهله
أما بجلوسي أمام القناص المفترى إبراهيم سعودى، فوجدت بطلا يتمتع بشباب القلب، تأسس على الفداء والتضحية، لنشأته في مدن القناة، حيث ينتمي لمدينة بورسعيد، وعندما يروي لك حجم المآسي التي تعرض لها عندما كان يشاهد الإنجليز وهم يقتحمون بيتهم حتى صار معهم له ثأر لا يعلم متى سيقتص لأهله ومصر كلها، حتى ألحقته الظروف بالصاعقة المصرية، ليحقق لبطولات ويعبر للقناة قبل عبور الأبطال في مهمة استطلاعية، وأعطى وزملاؤه دروسًا قاسية فى معركة أبوعطوة.

أحمد الخطيب .. حكاية بطولات أزهقت قوى العدو
وأما البطل أحمد الخطيب، صاحب البطولات الكبرى فى معركة الكبريت وقت الحسار الذي دام ما يزيد على 100 يوم، فضلا عن البطولات التي نفذها خلال المعركة، وأول صاروخ أطلقه ليصيب به إحدى دبابات العدو، ليهلل زملاؤه من الجنود «الله أكبر .. الله أكبر»، أما عندما يروي لك الأمر الصادر عن قائد المجموعة التي كان أحد أفرادها برفع العلم المصري فوق أحد النقاط القوية التي كان يهيمن عليها العدو الغاشم، والذي رصد القذائف نحو العلم المصري الذي أبى على السقوط، وظل يرفرف بإرادة المولى عز وجل، دون أن يصيبه مكروه كدليل واقعي على أن الله هو المعين والمؤيد للجيش المصري.

أبوالمكارم المراكبي .. بطل أسر قادة الجيش الإسرائيلي
أما البطل القناص أبوالمكارم المراكبي، تجده فلاح أصيل، غيور على أرضه وعرضه، رفض مع زملائه على الجبهة أدنى معاني الاستسلام أمام العدو الصهيوني الغاشم، وعندما يحدثك تعلم قيمة الإيمان بالله، وشجاعة القلب، حيث كان عم أبوالمكارم، يسرع لدفن من استشهد من زملائه ويعود كالأسد يحصد حق زملائه ليسقط من العدو أفرادًا، حتى اكتشف أن أحد من سقط بين يديه أسيرا هو القائد الإسرائيلي عساف ياجوري، وهو كان من أهم القادة الإسرائيليين وقتها، ومن مجمل بطولات عم أبوالمكارم، تجده لقن قادة الجيش الإسرائيلى طعم الذل والهزيمة.

يوسف فريد .. بطل أسر الجنود بدهاء ومكر شديد
أما البطل المقاتل يوسف فريد بدوى، فبطولاته كثيرة، لكن أهمها يرجعها إلى المولى عز وجل، عندما ذهب يتفحص إحدى القلاع الحصينة للجيش الإسرائيلي، قبل أذان مغرب رمضان الكريم، وكان في يده «علبة الفول»، التي كان يجهزها ليفطر بها بعد الأذان، إلا أنه فوجئ داخل الخندق الإسرائيلي، باثنين من الجنود الإسرائيليين، وبينما كان مسحلا بتسليحه الشخصي فوجئ بحركة لا إرادية -على حد وصفه-، ليتعامل مع علبة الفول على أنها قنبلة ويسحب الفتيل منها، فما كان من جنود العدو، إلا أن أعلنا الاستسلام أمامه ظنا منهما بأنه سيفجر فيهما القنبلة، واقتادهما إلى قائد مجموعته أسيرين، ولم يدع البطولة، وقصَّ على قائده ما حدث، دون مزايدة، ليؤكد أن هذه الحرب كان تدار برعاية الحق - عز وجل-، مؤكدًا أن قوة إيمانه بالله جعلته يصطاد جنود العدو، كالفئران، ليزيد من طوابير الأسرى.
